الأربعاء، 15 يوليو 2009

رسالة من مناضل سبعيني إلى الصامدة في زنزانتها: زهرة بودكور।

تحية أيتها الرفيقةأنت التي في عمر الزهور وفي سن ابنتي، وأنا القادم من جيل قد تعب من النضال ومن الانتظار.في هذا الزمن الرديء، حيث الرفاق القدامى يتساقطون في الطريق كأوراق الخريف، بين هالك أنهكته سنوات الاعتقال والتشريد، ويائس سلم نفسه للكأس واجترار حكايات عن بطولات الزمن الماضي، ومغلوب على أمره هزمته مصارف العائلة ومتطلبات الأولاد، وبين انتهازي فضل قلب المعطف وبيع رصيده النضالي في المزاد العلني،في هذا الزمن الرديء حيث لا شيء يبشر بخير، بعد أن ذهب المشروع وذوى الحلم وفقدت الكلمات والشعارات معانيها الجميلة،في هذا الزمن الرديء حيث الجميع يهرول نحو المناصب و المقاعد، وحيث مقياس النضال هو عدد أرقام الهواتف وأسماء المسؤولين الكبار الذي تنسج معهم علاقات الزبونية والمصلحة،في هذا الزمن الرديء حيث قياس المفاضلة لم يبق بعدد السنوات التي قضاها المرء في السجون أو المنافي، ولا بحجم الضربات التي تلقاها من الجلاد، ولكن بعدد المواقع المحتلة في كل الأجهزة، من ودادية الحي إلى أعلى هيئة في هياكل الحزب العتيد.في هذا الزمن الرديء حيث لم يعد مخاطبك يسألك عن مدى مبدئية موقفك من هذه القضية أو تلك، ولكن فقط عن نوعية الفرص التي اقتنصتها والمناسبات التي انتهزتها بما يسمح لك من توفير مداخيل إضافية لتغطية الأقساط الشهرية لثمن شقتك،في هذا الزمان لم أجد لمن أبث حسرتي وشجوني، غيرك أنت ورفاقك في زنازن مراكش ومكناس وفاس وإفني .... وأسترجع معكم ذكريات عن ماض كان مليئا بالحلم وبالتوق إلى الثورة والتغيير.لا يهم أن نختلف حول التكتيك والوسائل، أو أن نتفاوت في البرامج، لكن أن نكون فقط متفقين على نبل الفكرة وسمو الهدف الذي من أجله بقيتم أنتم مستعدين للتضحية بكل شيء.وأنا أتابع محاكمتكم ونضالاتكم، أستحضر معكم لحظة عزيزة من شبابي، لما أفقت من مراهقتي، لأجد نفسي منظما في خلية اتحادية تحمل اسم عمر دهكون، ذلك البطل الذي تماهيت معه وجعلت منه قدوتي في ذلك الوقت.وأتذكر معه كل أولاءك الذين سقطوا في الطريق، من عمر إلى كرينة، ومن سعيدة إلى زروال ومن الدريدي إلى شباضة، واللائحة طويلة.غير أننا نحن صدقنا في لحظة، أن البلد قد يتغير، وأن الأفضل هو ما سيأتي، وتوهمنا مع ذلك الرجل ذي الأنفة: عبد الرحمان اليوسفي، أنه ربما سيكون من السهل إحداث التغيير ، بشق الطريق نحو المستقبل من داخل جهاز الدولة نفسه، بعدما فشلنا في كل الطرق الأخرى، من طريق التغيير الثوري إلى طريق التغيير الديمقراطي الجماهيري. لكننا اكتشفنا في الأخير كم كنا سذجا، وكيف استغل المخزن حب ذلك الرجل لوطنه، ليغسل به وسخه، ثم يلقي به بعده خارج المؤسسة مكلوما وحاملا لغصة في الحلق، هي غصتنا نحن الآن جميعا، الذين صدقنا معه تلك الخرافة المسماة قسما على القرآن.بالتأكيد بعض من رفاقك، لم ينطل عليهم الوهم، وبقوا لوحدهم صامدين في مواقعهم الجامعية، نحن جميعا تناسيناهم في غمرة احتفالنا بالفتح الجديد المسمى تناوب توافقي وبمقدم ما اعتقدنا أنه العهد الجديد، ليستمروا هم في السقوط واحدا بعد الآخر في غفلة عنا ودون أن نفكر حتى في الحضور لتشييعهم في جنازاتهم ، من بوملي إلى آيت الجيد ومن ساسوي إلى الأكاديري، وآخرون أستحيي من نفسي أنني حتى لا أعرف أسماءهم كلهم.وحدكم بقيتم في الخندق، تحملون راية الصمود في وجه هذا النظام الغادر، وحدكم من حمل لنا مشعل النضال ونقل الرسالة من جيل إلى جيل، حتى أننا لما استفقنا من الغفلة واكتشفنا انتهازية الرفاق وجبن الإخوان ويأس الأصحاب وتعنت أصحاب الوقت ولامبالاة الشارع، أدرنا وجهنا فلم نجدكم غيركم أنتم من تقدمون لنا بصيصا من الأمل وقبسا من الصدق في النضال وفي حماية المبدأ.فهل أزايد عليك الآن عزيزتي زهرة، وأطالبك بالمزيد من الصمود؟ ذلك ما أستحيي بسببه من نفسي، إذ بأي حق أن أطلب منك أنت بالضبط أن تقدمي حياتك قربانا عنا وغطاءا عن جبننا وخذلاننا؟كل ما أستطيع أن أعبر لك عنه، أنك أنت الآن هناك في زنزانتك، آخر ما تبقى لنا من رمز ومن حلم أن لا زال في إمكان هذا الوطن أ ن يسترجع دفق ونبض الحياة فيه بما يفتح أفقا آخر نحو المستقبل.تحياتي زهرة، وتحياتي لكل رفاقك في الزنازن، وقلبي معكم يتقطر حزنا وألما على هذا الزمن الرديء.
حميد باجو

ليست هناك تعليقات: