الثلاثاء، 8 يوليو 2008

خالد الجامعي / المساء

الجلادون «بالعطف»

اثنتا عشرة صفحة تنضح بالبشاعة والمنكر.
اثنتا عشرة صفحة تحكي معاناة طلاب اعتقلوا في مراكش إثر الأحداث التي عرفتها العديد من الكليات المراكشية يوم 14 و15 مايو الماضي.
اثنتا عشرة صفحة هي حصيلة كتاب أبيض يضم شهادة سبعة طلاب سقطوا بين مخالب رجال الأمن، فساموهم سوء العذاب على شاكلة ما عاناه المناضلون في سنوات الجمر والرصاص.
وإليكم معشر القراء الكرام عينة من هذه الشهادات حتى تلمسوا بأيديكم أن العهد الجديد قد بر بوعده أسوة «بعرقوب» الذي غدا في الإخلاف مثلا...

زهرة بوكور:
«اعتقلت يوم 15-05-2008 في الساعة التاسعة صباحا قرب الكلية.
وفي مكان الاعتقال، تعرضت مباشرة لضرب مبرح على الرأس بعد شدي وجرجرتي من شعري....
بعدها اقتادوني إلى شارع أجهله، فأوقفوا السيارة وعالجوني بركلة همجية قذفت بي إلى الأرض، ثم عاودوا الرفس والركل بعنف أعمى إلى أن هم أحدهم وهو في معمعة هيجانه بالتبول علي، كل ذلك طبعا وسط التهديد المتكرر بالاغتصاب مع وابل من أقذع السباب وأفحشه.
في الكوميسيرية، تناوب على استنطاقي ثلاثة أشخاص في منتهى الفظاظة والغلظة، فشرعوا يستعرضون عضلاتهم وهم يتنافسون في الاستفزاز والتهديد قائلين لي في كل لحظة:

«كري ونطلقوك»...
ولما اعتصمت بالصمت، صفعني أحدهم بقوة ثم أنزلوني إلى «لاكاب»، وهناك جردوني من جميع ملابسي وبدؤوا عملية الإرهاب النفسي، وذلك بالانصراف عني ثم الرجوع إلي بشتم بذيء وبتهديدات أخرى، إلى أن استقر رأيهم في الأخير على وضعي في بيت معزول مكثت فيه يومين كاملين عارية كما ولدتني أمي، إذ كانت كل ملابسي مملوءة بدم غزير تسربلت به إثر النزيف الحاد من أنفي ومن بعض أجزاء جسمي»...

خالد مفتاح:
«اعتقلت يوم 15ـ05ـ2008 من داخل الحرم الجامعي للقاضي عياض قرب كلية الآداب. ومباشرة بعد تكبيل يدي، شرع خمسة من رجال القمع في تسديد لكمات متتالية عنيفة إلى وجهي أصابني جلها في موضع العين.
وما هي إلا لحظة حتى أحسست بألم حاد فظيع في أسفل بطني من جراء ركلة وحشية سددها أحدهم إلى عضوي التناسلي.
ولما شعرت بأنني هالك لا محالة، طلبت منهم وأنا على مشارف الإغماء أن يسعفوني بطبيب، غير أنهم ساقوني عوض ذلك إلى «درب مولاي الشريف» الجديد، وأقصد بذلك كوميسيرية جامع الفنا...»

محمد العربي جدي:
«اعتقلت من طرف فرقة للقمع السريع صبيحة يوم الخميس 15ـ05ـ2008 حوالي التاسعة والنصف صباحا بين كليتي الآداب والحقوق. وبدون أي تريث أو انتظار، انطلق الركل والرفس والضرب الأعمى بالعصا ما يزيد على نصف ساعة.
بعدها كبلوا يدي وعصبوا عيني وحملوني على متن سيارة إلى مخفر جامع الفنا حيث وجدت في الترحيب بي جلادين ساديين مارسوا علي جميع أنواع التعذيب من ضرب وركل ورفس مصحوب بأفحش وأبذأ ألفاظ الشتم والسباب.
ولما شعروا بأنني أشرفت على الهلاك، أخذوني إلى مكان قذر تفوح منه رائحة تزكم من شدة نتانتها الأنوف، وهنالك بدؤوا يهددونني بالاغتصاب وممارسة لون جديد من التعذيب علي. ولما هيجهم صمتي، قاموا بتجريدي من كل ملابسي، فأمسكني أحدهم من قضيبي وجرني منه جرا عنيفا كاد يفقدني وعيي ثم هزني إلى السماء وخبطني أرضا بكل قوته المجرمة»...

عبد الله الراشدي:
«اعتقلت صبيحة يوم الخميس 15ـ05ـ2008 على الساعة العاشرة صباحا قرب كلية الآداب بمراكش.
ذلك أنني على الرغم من تسليم نفسي، أشهرت في وجهي غابة من المسدسات والهراوات ومختلف أدوات القمع، دون إيلاء أدنى اهتمام لنظرات المارة المذعورين.
ومباشرة بعد ذلك، بادرتني مجموعة تتكون من ثمانية أشخاص على الأقل، بعاصفة هوجاء من الرفس والركل والضرب العشوائي بالعصي والهراوات على كل أعضاء جسمي.
وفي لحظة كنت أحاول فيها حماية جهازي التناسلي خوفا عليه من ضربة قاضية، انتبه أحدهم إلى ذلك فهوى على رأسي بضربة شديدة من هراوته أحسست لها وقع الانفجار في مخي، فلما رفعت يدي تلقائيا أتحسس موضع الضربة، سدد إلى خصيتي ركلة في منتهى الوحشية، شعرت على إثرها وأنا على مشارف الإغماء بدنو أجلي، فسقطت مطويا على نفسي أتمرغ في التراب من شدة الألم.....
وبما أن بعض مشاهد الرعب لا تخلو أحيانا من الغرابة المثيرة للضحك، سمعت أحدهم يسألني منتهرا:
ـ هل يوجد في جيبك شيء من النقود؟
فأجبته وأنا لا أكاد أصدق أذني:

درهمان فقط...
فقال أحدهم لصاحبه:
ـ خذهما واشتري بهما سيجارتين أو علبة من مسحوق «تيد» من أجل تنظيف ملابسك.
وبدون أدنى خجل أو تردد طوعت له نفسه السطو على الدرهمين...
وفي الكوميسيرية تعرضت لاستنطاق عصيب تخلله تعذيب مروع كان مسك ختامه قرارهم إجلاسي على قنينة، وسبب ذلك أنني لم أتفوه بأي شيء باستثناء موافاتهم بالمعلومات المتعلقة بهويتي.
فقد عمد أحدهم إلى فتح أزرار سروالي بعدما سل منه الحزام وعقده لاستعمال القنينة. ثم أرغموني على الجثو على ركبتي، وعندما تم لهم ذلك، ركلني بعضهم على ظهري بقوة فسقطت مكبوبا على وجهي، فشرع جلاد منهم يرفس بكلتا رجليه على مؤخرتي التي انحسر عنها السروال فانكشف منها النصف الأعلى، بينما تكفل الثاني باستعمال رأسي ككرة قدم بدأ يقذف بها الركلات الترجيحية، في حين جلس ثالث على ظهري بكل ضخامة جثته وأخذ يرفع يداي إلى فوق بواسطة القيد المثبت على معصمي»...

عثمان الشويني:
«صمت... ضوضاء... وابل من الضرب المبرح... دم غزير ينزف من كل الأعضاء... تهديد بالاغتصاب والتبول علي...
كانت تلك هي المقدمة «الرائعة» التي استهل بها الجلادون حفاوتهم بي في معتقل الخزي والعار بعدما ركزوا ضربهم في الأخير على جهة الرأس والأرجل. وقد سمعت أحدهم يقول لصاحبه ناصحا:
«هرسهوم لدين مو...»
ناصر احساين:
«فور أدخلوني إلى المخفر، سلبوا مني هاتفي النقال مع ورقة نقدية من فئة مائتي درهم. مباشرة بعد ذلك، بدأ التعذيب الجسدي والمعنوي متجسدا في الضرب والصعق بالكهرباء والسب والتهديد بالاغتصاب والجلوس على القنينة وشرب محلول الأسيد من طرف جلاد يدعى «عبد الحق الأواكس».
بعدما أشفوا غليلهم زجوا بي مع اثنين من رفاقي في زنزانة شبيهة بمرحاض مكثنا فيها بالجوع والبرد والعطش اثنين وسبعين ساعة...»
إن هذا الهبوط إلى الدرك الأسفل من جهنم، كان يحدث في كوميسيرية جامع الفنا المشهورة بأنها القلب النابض لمدينة مراكش، عاصمة الجنوب وعروسته كما يقولون...
لقد أصبحت فعلا هذه الكوميسيرية المشؤومة مشهورة في التعذيب كأشد وأوسع ما هي عليه شهرة الشيطان بين مريديه من الإنس والجن.
من أجل ذلك، استحقت عن جدارة تلك الألقاب العديدة الشريرة التي نذكر منها على سبيل الاستئناس لقب: «درب مولاي الشريف العهد الجديد» و»الكوميسيرية المجزرة»...
أجل، إن هذا الهبوط إلى الجحيم ليذكرنا بسابقه، ذاك الذي ذهب ضحيته خدام القصر الملكي الذين اتهموا بالسرقة.
إنه هبوط إلى الجحيم لا يختلف في شيء عن ذاك الذي كابده العشرات من سكان سيدي إفني يوم سابع يونيو المنصرم...
فأي شيء يفرق في العمق بين شهادة مريم أوتمحين من سيدي إفني وشهادة زهور بونكور من مراكش؟
وأي اختلاف بين شهادة محمد حرتيت، أحد المتهمين في سرقة القصر الملكي بمراكش، وشهادة حميد شعفيل، أحد الموظفين البسطاء في الخطوط الملكية المغربية، المتهم في القضية المسماة بـ«محاولة تخريب طائرة من شركة لارام» في فبراير 2006؟
إنه نفس الأسلوب في التعذيب الجسدي والمعنوي... نفس السباب البذيء الفاحش، ونفس التقنيات المشتملة على «القرعة» و«الطيارة» و»الشيفون» والاغتصاب، و«الباندا» الخ...
إنها تجاوزات صارخة مدانة جرت في عهد حكومة أطلق عليها «حكومة التناوب التوافقي»...
فبالأمس كان عبد الرحمان اليوسفي، واليوم يوجد عباس الفاسي...
فيحق إذن لعلال الفاسي ولبنبركة ولبوعبيد، حيال هذا الدرك الذي أوصل أحزابهم إلى أسفل سافلين، أن يتقلبوا في قبورهم حسرة والتياعا...
إن هذه العودة السريعة والقوية إلى سنوات الجمر والرصاص، لتجري في ظرف توجد فيه أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية في مواقع السلطة، أو بالأحرى... هذا ما يتوهمونه.
تلك الأحزاب التي كانت تمثل في الذاكرة المغربية رمز النضال والدفاع عن الكرامة وحقوق الإنسان... انظروا أي منقلب انقلبت... وتفرجوا في أي درك سقطت... فأحسن دعاء يمكن لمواطن مغربي أن يسأل به ربه في هذا الزمن الرديء هو: «اللهم اختم علينا بحسن الخاتمة واجعل خير أعمالنا آخرها...» لهذا لا ينبغي لزعماء المعارضة البائدة أن يتنصلوا من مسؤولياتهم ليلقوا بها على عاتق الشرطة وإدارة حماية التراب الوطني والقوات الاحتياطية والدرك، مشيرين بأصابع الاتهام الخفية والجبانة إلى فرساننا الثلاثة الأشاوس: العنيكري وحسني بنسليمان والضريس وغيرهم من «الحجاج» الميامين. لأنه إذا كان الحال كذلك، فما عليهم إلا أن يخرجوا من جحور صمتهم وينددوا عاليا وبقوة بكل هذه الخروقات الخرقاء. فالصمت موقف فصيح أبلغ وأوضح من كل خطابات الدنيا، وما ذلك سوى لأن السياسي الصامت يعد في شرع العقلاء من أهل السياسة متواطئا بكل مقاييس التواطؤ.
أليس الصمت من علامة الرضا، كما يفتي بذلك فقهاؤنا الأجلاء؟
إذن يحق لنا أن نستنتج بكل بداهة أن الفاسي واليازغي والراضي وإسماعيل العلوي، وغيرهم ممن يدور في فلكهم كالناصري مثلا، هم جلادون بالحق والحقيق... جلادون بالتبعية أو بالمعطوف على العطف.
أكثر من ذلك، إنهم مدانون في كل مكان وزمان لأنه بدون صمتهم الآثم
لما تجرأ الجلادون الجبناء على ممارسة هذه الخروقات الفاحشة وإتيان تلك المنكرات الغليظة.
فبديهي أن هؤلاء الساديين المرضى لا يقدمون على تلك الأفاعيل المخزية إلا لتأكدهم العميق بأنهم ينعمون بالحماية المطلقة في ظل اللاعقاب واللامساءلة.
واليوم، فإن هؤلاء الطلبة الذين تعرضوا للتعذيب، والذين ينعتون أنفسهم بـ«معذَّبي العهد الجديد» يوجدون في حالة إضراب عن الطعام منذ ما يزيد على أسبوعين... إنهم يموتون على مهل في ظل تهميش مطلق ولامبالاة تامة وصمت رؤساء الأحزاب.
فإذا لم يطرأ أي تغيير إيجابي يكون كفيلا بإقناعهم بالعدول عن هذا الإضراب، وإذا لم ينصفوا بأخذ حقوقهم كاملة غير منقوصة، فإن العهد الجديد سيكون له بالتأكيد ضحايا من طينة المرحومة سعاد المنبهي المتوفاة يوم 19 دجنبر 1977 إثر إضراب طويل عن الطعام، وكذا ضحايا من عيار مولاي بوبكر الدريدي، ومصطفى بلهواري المتوفيين سنة 1984 من جراء إضراب عن الطعام كذلك. وقد كانوا جميعهم لا يطالبون أكثر من تحسين ظروف اعتقالهم.
فهل سيعيد التاريخ نفسه مع معتقلي مراكش؟ لا قدر الله ...

ليست هناك تعليقات: